دراسات و مقالات في الذات

الثلاثاء، 1 ديسمبر 2009

عائلات شرهة


تأليف: عبدالله المهيري

تبين في إحصائية أن دولة من دول الخليج تنفق الأسرة فيها 43% في الوجبات السريعة والترفيه، ودول الخليج متشابهة من الناحية اجتماعية، لذلك أعتقد أن الوضع هنا يشابه هذه الدولة، أما العائلة اليابانية تنفق أغلب أموالها في التعليم والتدريب والتطوير، فهل نصبح كاليابانيين؟ نتمنى!

أسرة تتفرق ويقع الطلاق بين الزوجين بسبب المال، شاب يدخل السجن بسبب الديون المتراكمة التي لم يستطع أداءها، عائلة تهبط من قمة الرخاء المعيشي إلى الفقر والعوز بسبب الديون أو مغامرة مالية خاسرة، والسؤال هنا، لماذا نرى الكثير من المشاكل التي يتسبب بها المال؟ الأسباب كثيرة وسأفصل ثلاث نقاط أساسية، يعاني منها مجتمعنا بشكل واضح. المال أساس الحياة، وبغيره لا نستطيع أن نعيش، والمال وسيلة لا غنى عنها، ويصبح طامة وكارثة إن جعلناه هدفاً وغاية في الحياة، ولذلك نجد أن الناس يسعون سعياً محموماً لجمعه واستغلاله، وتجد أن البعض يريد أن يصل إلى مستوى مالي معين، وبعد أن يحقق هدفه هذا، لا يشعر بالسعادة أبداً، لأنه يرى أن هناك من هو أعلى منه في المستوى المالي، وينسى أنه في حال خير من حال الكثير من البشر، فتجده إذا ما اشترى سيارة فخمة جديدة، لا يسعد بها إذ يريد سيارة أفخم وأغلى، لماذا لا يفرح بها ويسر؟ لأنه جعل المال هدفاً لا وسيلة ولن يجد السعادة أبداً من جعل المال غايته. والبعض قد يضيع أسرته وأطفاله بسبب المال، فيسافر من الشرق إلى الغرب ويعود للمنزل لبضعة أيام فقط، لا لكي يجلس مع زوجته وأطفاله إنما لكي يراجع حساباته ويبحث عن صفقات أخرى، أو فرصة للحصول على المال في تلك الدولة أو تلك، ثم لا يجد هؤلاء الأطفال أباً يربيهم، إنما الفضائيات والأصدقاء من حولهم، والأم بين هذا الأب وتلك الفضائيات والبيئة المحيطة بهم قد لا تستطيع أن تسيطر عليهم وعلى ما يتلقونه من مفاهيم، فيضيع الأطفال وينحرفون، والسبب هو المال الذي أتعب الأب نفسه من أجل جمعه لأطفاله. السبب الثاني هو ما نراه من حب المظاهر لدى الكثير من شبابنا، يشتري الشاب سيارة غالية تخطف معظم راتبه ثم لا يبقى شيء لوقود سيارته أو حتى للضروريات التي لا غنى عنها، وبعضهم لا يستطيع أن يدفع الديون المتراكمة عليه والفوائد الربوية التي قد تصبح أكبر من المال نفسه، فيزج به إلى السجن، فلا هو يستطيع العمل ليسد ما عليه من الديون، ولا السجن يحل المشكلة، لماذا لا يشتري سيارة صغيرة توفر عليه مبالغ مالية يستفيد بها في ضروريات أخرى؟ والبعض يرى أنه من العيب أن يناقش البائع على السعر، فهو يضع يده مباشرة في جيبه ويخرج المبلغ المطلوب ويرى ذلك رجولة وشهامة، والبعض لا يتعب نفسه في البحث بين البدائل للسلعة التي يريد شرائها، فقد يشتري الغالي، وبينما يوجد ما هو أرخص وأفضل مما اشتراه، ومن الناس من يأبى إلا أن يشتري أغلى الساعات، وأغلى الأحذية، ويخيط ثيابه بأرقى أنواع الأقمشة، مع أنه يستطيع أن يستغني عن كل هذا بشراء ما هو دون هذا ويكون في نفس الوقت ذو مظهر مقبول. وحب المظاهر هذا يؤدي بالإنسان إلى أن يبحث عن أفخم السلع وأغلاها من أجل الزينة والمظهر الخارجي فقط، وبالتالي فإن ماله يذهب بلا فائدة في أمور كثيرة ليست من الضروريات أو الحاجات، بل هي من الكماليات التي نستطيع أن نستغني عنها، وهنا تلعب نظرة الناس للآخرين دورها البارز، فالإنسان قيمته بسيارته ونعاله وثوبه، وبالتالي لا يرضى البعض إلا أن يظهر بأحلى مظهر أمام الناس حتى لا ينظرون له بعين نقص. السبب الثالث هو نقص الوعي في كيفية استغلال المال بأفضل الطرق، فنجد أن العائلة تنفق أموالها في جوانب عدة، بدون أي تخطيط أو تحديد للأولويات، فيبرز النقص في جوانب أخرى مهمة أيضاً، فتستدين أو تحاول أن تقلل من المصاريف في بعض المجالات حتى تسد هذا النقص. في هذه الحالة هناك حل بسيط، وهو التخطيط! نعم أعلم أن البعض ربما يرفض التخطيط جملة وتفصيلاً، بسبب النظر القاصرة وقلت الوعي بأهمية التخطيط، ولكن لا يمكن لأحد أن يجادل في فائدة التخطيط في كل مجال، لذلك يجب أن نخطط كيفية صرف أموالنا ونضع احتياجاتنا المستقبلية، حتى نوفر بعض المال لشراء هذه الاحتياجات. قبل التخطيط، تحتاج العائلة أو يحتاج الفرد منا إلى تحليل الوضع المالي الحالي، فيرصدون الإيرادات ويضبطون المصروفات، فنضع جدولين، الأول لضبط الإيرادات، نكتب فيه الإيراد الذي سنحصل عليه خلال أربعة أشهر مثلاً، سواء كراتب أو مكافئات أو تجارة أو أي إيراد آخر، والجدول الثاني لضبط المصروفات، فنضع لكل شهر جدول، ندون فيه المصروفات اليومية التي نحتاجها، وبهذا نعرف كم من الأموال لدينا وكم صرفنا من هذه الأموال وفي ماذا صرفناها. بعد عدة أشهر من رصد المصروفات والإيرادات سنكون نظرة واعية حول الموارد المالية للعائلة أو للفرد، وسنعرف في ماذا صرفنا هذه الأموال، وهل هذا الصرف كان صحيحاً أم أن هناك أولويات أخرى أهم؟ وسنعرف كيف نقلص من مصروفاتنا الغير ضرورية ونخصص جزء من المال من أجل التوفير، وبدون هذا التخطيط لن نستطيع أبداً أن نعرف كيف يطير الدرهم من أيدينا إلى جيوب التجار في غمضة عين! ختاماً دعوني أذكر لكم هذه الإحصائيات، حيث تبين في إحصائية أن دولة من دول الخليج تنفق الأسرة فيها 43% في الوجبات السريعة والترفيه، ودول الخليج متشابهة من الناحية اجتماعية، لذلك أعتقد أن الوضع هنا يشابه هذه الدولة، أما العائلة اليابانية تنفق أغلب أموالها في التعليم والتدريب والتطوير، فهل نصبح كاليابانيين؟ أتمنى!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق